من العون على العلم الحفظ :
ورد في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تبين قيمة العلم وشرف أهله وعلو منزلتهم عند ربهم، وفي دنياهم ومعادهم فمن ذلك : قوله تعالى : ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ([25] . وقوله سبحانه : ) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ([26] . وقوله سبحانه : ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ([27] .
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ))[28] .
وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب ))[29] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ))[30] .
وغيرها كثير .
فالرجل لا يكون عالما حتى يحفظ من القرآن والسنة وأقوال أهل العلم الموضحة لمعانيها ما يرفعه إلى تلك المكانة ، ويسمو به إلى تلك المنزلة .
ولهذا قيل : ( احفظ فكل حافظ إمام ) ، و ( آفة العلم النسيان ) ، فالعلم هو الحفظ، ومن لم يكن حافظا لم يكن عالما .
والمحمود في طلب العلم هو الحفظ والفهم والاستيعاب ، فالعلم ليس بكثرة المصاحف والكتب ولا بسعة المكتبات ، وقد يكون الرجل عالما ولا يملك من الكتب إلا أقل القليل.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( قيمة كل امرئ ما يُحسِنه )[31] ولم يقل : ما يجمعه!!.
وقال أبو هلال العسكري - رحمه الله - : ( وإذا كان ما جمعته من العلم قليلا وكان حفظا، كثرت المنفعة به ، وإذا كان كثيرا غير محفوظ قلت منفعته )[32] .
وقال عبيد الله بن الحسن : ( وجدت أحضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي ، ولكته بلساني)[33].
وقال عبدالرزاق : ( كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علما )[34] .
وقال الأعمش : ( احفظوا ما جمعتم فإن الذي يجمع ولا يحفظ كالرجل كان جالسا على خِوانٍ ، يأخذ لقمة لقمة ، فينبذها وراء ظهره ، فمتى يشبع ؟!)[35] .
9) حفظ القرآن يقوى الذاكرة :
إن حفظ القرآن ، وكثرة مدارسته وتكراره ، يقوي ذاكرة حافظيه ، ويشحذ أذهانهم، فتراهم : أسرع الناس بديهة ، وأكثرهم حفظا ، وأشدهم فهما واستيعابا ، وهذا لا يحتاج إلى برهان أو دليل وإنما يكفي أن تنظر في أحوال طلاب المدارس والمعاهد والجامعات ؛ لتجد أن الحافظين للقرآن منهم ، أتقن لدروسهم ، وأحفظ من غيرهم ، وهم على الدوام في طليعة المتفوقين ، مع أن الجميع في سن متقاربة ، وظروف بيئية واجتماعية واحدة . قال تعالى : )وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ( [36].
10) الحافظ لكتاب الله متميز بأخلاقه وسلوكه :
إن الحفظ لكلام الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم متميز بين الناس بأخلاقه الحسنة ، وسلوكه القويم ، وتواضعه الجم وعلاقاته الطيبة مع الناس جميعهم ، أهله وأقاربه، وأساتذته ومعلميه ، وأصدقاؤه وزملاؤه قال تعالى : )إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ([37] .
11) حفظ القرآن يقوم اللسان :
إن الحافظ لكلام الله عز وجل ، والمكثر من تلاوته وتكراره عنده من الفصاحة والبيان، والبلاغة وحسن الصياغة ، وقوة التعبير وسلامته ، ما ليس عند غيره من الناس ، فهو أفصح الناس عبارة ، وأطلقهم لسانا ، وأسلمهم نطقا .
قال تعالى : )نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ([38].
12) التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم:
فقد كان عليه الصلاة والسلام يحفظه ، ويراجعه مع جبريل عليه السلام ومع بعض أصحابه .
13) التأسي بالسلف:
قال ابن عبد البر: (طلب العلم درجات ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه.. ا هـ)[39].
14) حفظه ميسر للناس كلهم ، ولا علاقة له بالذكاء أو العمر :
فقد حفظه الكثيرون على كبر سنهم. بل حفظه الأعاجم الذين لا يتكلمون العربية، فضلاً عن الأطفال.
15) حفظ القرآن مشروع لا يعرف الفشل :
حين يبدأ المسلم بحفظ القرآن الكريم بعزيمة قوية ثم يدب إليه الكسل والخمول فينقطع عن مواصلة الحفظ ، فإن القدر الذي حفظه منه لا يضيع سدى، بل إنه لو لم يحفظ شيئاً فإنه لن يحرم أجر التلاوة، فكل حرف بعشر حسنات .
16) حملة القرآن هم أهل الله وخاصته :
كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تعالى أهلين من الناس : أهل القرآن هم أهل الله و خاصته )[40] ، وكفى بهذا شرفاً .
17) حامل القرآن يستحق التكريم : ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط )[41] فأين المشمرون ؟
18) الغبطة الحقيقية تكون في القرآن وحفظه : ففي الحديث عن ابن عمر t أن رسول الله r قال : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله تعالى هذا الكتاب فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل أعطاه الله تعالى مالا فتصدق به آناء الليل وآناء النهار)[42].
19) حفظ القرآن وتعلمه خير من متاع الدنيا :
ففي الحديث (أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل)[43] وتذكر أن الإبل في ذلك الزمان أنفس المال وأغلاه.
20) حافظ القرآن أكثر الناس تلاوة له :
فحفظه يستلزم القراءة المكررة، وتثبيته يحتاج إلى مراجعة دائمة، وفي الحديث (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها )[44] .
21) حافظ القرآن يقرأ في كل أحواله :
فبإمكانه أن يقرأ وهو يعمل أو يقود سيارته أو في الظلام، ويقرأ ما شياً ومستلقياً، فهل يستطيع غير الحافظ أن يفعل ذلك ؟
22) حافظ القرآن لا يعوزه الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في حديثه وخطبه ومواعظه وتدريسه ، أما غير الحافظ فكم يعاني عند الحاجة إلى الاستشهاد بآية ، أو معرفة موضعها .
وبعد هذا العرض لبعض فوائد الحفظ بالنسبة للقرآن خاصة ولغيره من علوم الشريعة عامة فإن ما ذكرته فيه الكفاية لشحذ هممنا وهمم أطفالنا لحفظ القرآن الكريم ، وما تركت من الفوائد أكثر ، ولكن ما ذكرته لعله يؤدي المقصود والله أعلم .