في ظل عصر تتلاشى فيه الحدود الثقافية بين الدول، وفي ظل ثورة علمية تكنولوجية واسعة تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في
بناء الطفل المسلم ثقافيًا ودينيًا واجتماعيًا في ظل كل هذا يجب تحديد ما يُقدم للطفل من ثقافات عبر الوسائط الإعلامية مثل
التليفزيون والفيديو والإلكترونيات المختلفة [الألعاب الإلكترونية] أو عبر الإنترنت. ولنا هنا وقفات مع هذه الوسائل
وقفتنا الأولى مع التلفاز:
مما لا شك فيه أن مشاهدة التلفاز ممارسة يومية تشغل فراغ الصغار والكبار ووسيلة يكتسبون عبرها المعلومات والثقافات ولقد
أثبتت الدراسات أن الإنسان يميل بشكل واضح إلى الأشياء التي تتفق مع آرائه واتجاهاته، لذا فإن مجموعة أراء الطفل وأفكاره
وتربيته التي تعمل قبل مشاهدة برامج التليفزيون وخلالها هي التي تحدد طريقة التعامل معها، وأسلوب تلك الطريقة التي يفسر
بها محتويات تلك البرامج.
وإذا كان الطفل في بيئة منزلية أو اجتماعية لا تخلو من الأخطاء السلوكية فإن وسائل الإعلام ومنها التلفاز هي لا يمكن إعفاؤها من
المسئولية ولقد أثبتت الدراسات أن التلفاز له أكبر الأثر على تصورات وسلوكيات الأطفال بسبب عدم تكون معايير القبول والرفض
لديهم بحكم قلة معرفتهم وخبرتهم.
ولقد انتقد التليفزيون العربي بقلة برامجه المخصصة للأطفال، وشيوع جانب الخيال المدمر والعنف على حساب القيم والمثل
الاجتماعية في برامجه كما اتهم بتأثر برامجه بالثقافة الأجنبية والانبهار بالجانب المادي منها، وربما تناقض القيم التي تقدمها البرامج
مع القيم الإسلامية والعربية، إلى جانب قلة الاهتمام بربط الطفل ببيئته المحلية والعربية وتراثه الإسلامي وهذا ما أثبتته الدراسات
الآثار التربوية لأفلام الكرتون التي يتربى عليها الأطفال في غفلة منهم ومن آبائهم.
وهناك جوانب عديدة من مقومات تربية الطفل ونموه يتضح فيها هذا التأثير التربوي:
1ـ الجانب البدني والعقلي:
فهي تتسبب في تأخر الطفل في النوم والجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة مما يؤدي إلى اعتلال صحة الجسم، وتتسبب أيضًا
في الخمول الذهني وتعطيل ذكاء الطفل.
2ـ الجانب العقدي:
فقد اختلت الموازين عند أطفالنا بسبب ما يُعرض عليهم على الشاشة، فيرى الطفل رجلاً يطير في الهواء، وينسف الجبال نسفًا،
ويشق القمر بيده، ليس هذا فحسب بل هو يطلق أشعة من عينيه تفعل المعجزات.
وتدور أحداث قصص الأطفال حول المغامرات والعنف وشخصيات خرافية وهمية، مثل شخصيات الحيوانات، ورجال الفضاء، وترى
الطفل قد غرق في خيالات بعيدة عن الواقع مع قصة 'سوبرمان' و 'بات مان' و ميكي' و 'سندريلا' وكلها قصص غريبة مصورة ترجمها
من ترجمها بما فيها من أخلاقيات وعبث ولعل الجميع يتفق على أنها لا تتضمن معانٍ تربوية رفيعة موجهة ، ولا تهدف إلى غرس
الأخلاق والقيم الصحيحة، وأعظم من هذا كله أنها تغفل وجود الله بالكلية، وذلك عندما يتحكم أبطال الفيلم في الكون من دون إله
وفي مقدرات الكون.
3ـ الجانب النفسي:
ولا ننسى دور التلفاز في بذر بذور الخوف والقلق في نفوس أطفالنا بما يعرف من أفلام مرعبة تخيف الكبير قبل الصغير كأفلام
غرندايزر، وغزو الفضاء، ورجال الفضاء والقصص التي تدور أحداثها حول الجن والشياطين والخيال، وكلها توقع الفزع والخوف في
نفوسهم إلى جانب أنها لا تحمل قيمًا أو فائدة علمية وينعكس أثر ذلك على أمن الطفل وثقته بنفسه مما يشاهده من مناظر
مفزعة بجعله يعيش في خوف وقلق وأحلام مزعجة.
4ـ الجانب الاجتماعي:
يقضي الأطفال حول التلفاز ساعات طويلة تؤثر على حياتهم الاجتماعية وعلاقاتهم بالأسرة، وبهذا يقل اكتساب الطفل للمعارف
والخبرات من الأهل والأصدقاء، كما يصرفه أيضًا عن اللعب ومتعته مع أقرانه.
5ـ وأخيرًا الجانب التربوي:
قد يجلس الطفل أمام التلفاز أوقات طويلة دون مراقبة ودون توجيه، وهذا له أثره السلبي على التحصيل الدراسي ومتابعة الدروس
ولا يخفى الأثر السيئ لأفلام العنف والجريمة على شخصية الطفل وتهيئته للانحراف مع وجود ما نعرفه من أن بعض الأفلام تصور
الكذب والخداع والمراوغة على أنها خفة ومهارة وشطارة ومعها ينزع الحياء نزعًا من قلوب أطفالنا والآداب التربوية السامية في حياتنا.
وقفتنا الثانية مع الحاسوب:
تُعد برمجيات ألعاب الأطفال وخاصة تلك التي تعتمد على أجهزة الفيديو والحاسبات والأجهزة الإلكترونية من أكثر الوسائل تأثيرًا
على تربية الطفل وتوجيهه ولهذه البرمجيات أثرها على النمو العقلي والمعرفي والاجتماعي للطفل والناشئة فبرمجيات الأطفال
تتميز بأنها تمكن الطفل من اكتساب ما يرغب من معلومات وزيادة مقدرته على اختيار زمان ومكان ما يشاهده أو يسمعه، وتزيد من
إقباله على التعليم.
ولقد أوضحت الدراسات التربوية أن استخدام البرمجيات بصورتها الحالية لها تأثيرها السلبي والإيجابي على ثقافة الطفل المسلم
فهي من ناحية إيجابية تؤدي إلى رفع قدرة الطفل على القراءة والكتابة والتعبير الشفوي، والقدرة على الاستماع والتركيز وتعلم
الثقافة العامة والعلوم واللغات الأجنبية، والتربية الفنية والرياضيات، كما أنها تقوي المقدرة على حل المشكلات التي تواجهه
وتساعده على التوافق الاجتماعي، وتطوير هواياته ومواهبه واستغلال وقت فراغه.
ولكن في ذات الوقت لها آثار سلبية أخرى، فالبرمجيات تحقق الدارسون من أنها تعمل على تدني مستوى القدرة على ممارسة
الأنشطة الاجتماعية والقدرة على أداء الواجبات والانصراف عن ممارسة الرياضة البدنية كما أن لها آثارها الصحية السالبة على صحة
الطفل المتمثلة في إصابته بالكسل والخمول والسمنة لقلة الحركة، واكتساب العادات السيئة، وتدهور الصحة العامة.
وعلى الرغم من إيجابيات الحاسب إلا أنه ما زال محدود النفع كوسيلة تثقيفية وتعليم الناشئة للغة، وتلقين مفرداتها قياسًا على
الاتصال الاجتماعي المباشر، وفاعليته في التعليم والتثقيف لا تزال أقل فاعلية من الوسائل المقروءة والمرئية لدى المجتمعات
الفقيرة والطبقات الدنيا من المجتمع التي لا تتوافر لها الظروف الاقتصادية المساعدة على انتشار أجهزة الحاسوب وبرامجه
المتنوعة أما عن الإنترنت: فهو يشغل مساحة من وقت الطفل فيفقد كثيرًا من الأطفال قدرتهم على الحديث والتواصل مع الآخرين.
وقفتنا الثالثة مع الألعاب الإلكترونية:
تعتمد هذه الألعاب على سرعة الانتباه، والتفكير، والتركيز، وهي تلعب في أي وقت، ولا تحتاج في بعض الأحيان لأكثر من شخص
واحد، إلى جانب أن بعضها سهل الحمل، رخيص السعر وقد اكتسبت هذه الألعاب الإلكترونية شهرة واسعة، وقدرة فائقة على جذب
اللاعبين وإغرائهم، وكان أول ضحايا هذه الألعاب 'الأطفال' و'المراهقون' بسبب مجموعة من الآثار السلبية الناشئة عن الإفراط فيها:
فمنها تربية اللاعبين على الوحشية والعنف والقتل لأن معظم هذه الألعاب تعتمد اعتمادًا مباشرًا على فكرة الجريمة والقتل والدماء
ومن أسمائها ' ليلة العفاريت '، ' رومبي آكل اللحوم '.
ومنها إشاعة الصور العارية وتعويد الأعين عليها بدعوى أنها لعبة: مثل لعبة 'قتل العاريات' التي تتضمن مشاهد خلاعية، وألعاب
المصارعة: حُشرت فيها المصارعات من النساء وهن كاسيات عاريات.
ومنها إدمان اللعب وإهمال الواجبات مما يؤدي إلى تدني مستوى الطلاب الدراسي ورسوبهم في الدراسة.
وكذلك أيضًا زيادة نسبة الجرائم والعادات السيئة، ففي دراسة غريبة ذُكر أن نسبة جرائم الأطفال ارتفعت إلى 44% بعد إغراقهم
بهذه الألعاب الإلكترونية ومن هذه الجرائم: أطفال يحرقون آخرين، وطفل يقتل والديه، وأطفال يغتصبون فتيات صغيرات.
وقفتنا الرابعة مع الإعلام المقروء كمصدر لثقافة الطفل:
إن الإعلام المقروء كالكتب والمجلات ما زالت لها الفاعلية والدور الهام في تنمية ثقافة الأطفال وهو بالنسبة للأطفال بما يتضمنه من
قصص وأشعار ومجلات وكتب وبرامج مسموعة له تأثيراته الكبيرة على هذا الطفل حيث أنه يعمل على تشجيع القدرات الابتكارية
والإبداع لدى الطفل، كما أنه يسلب لبه ويشعره بالمتعة ويشغل فراغه وينمي هواياته.
وأيضًا يرقي بالسلوك ويبث الأخلاق الفاضلة، ويقوم السلوك المنحرف، ويحد من أغلال التقليد الأعمى للأفكار المدمرة الوافدة بحيث
تكون الكلمة المقروءة وغيرها من وسائل الإعلام رافدًا تعليميًا يثري ثقافة الطفل بعيدًا عما لا يناسب بيئتنا وثقافتنا.
على الرغم من حق الطفل في التمتع بمنجزات عصره من وسائل تقنية ومخترعات إلكترونية وألعاب شيقة ومبهرة، إلا أن ذلك يجب
أن لا يزيد عن حده ولا يخفى ما يشهده الطفل المسلم من سلبية تضر بصحته النفسية والبدنية من جراء استخدام التقنية الحديثة
ممثلة في الثالوث الحديث 'الإنترنت، وألعاب الفيديو، والفضائيات'، إذ أثبتت الدراسات أن نسبة كبيرة من الأطفال في الوطن العربي
في المرحلة الابتدائية يقضون حوالي 1000 ساعة سنويًا أي ما يعادل ضعف ما يجلسونه في حجرة الدراسة أمام وسائل الإعلام،
وهذا مؤشر خطير، لأن هذه المرحلة من العمر هي مرحلة الخصوبة والتلقي وحفر العادات والسلوكيات كما نعرف 'التعليم في
الصغر كالنقش على الحج '.
ومن الإنصاف القول: إنه ليس كل ما يُعرض سيئ وضار، فإن لوسائل الإعلام آثارًا إيجابية وأخرى سلبية، ولكن الآثار السلبية لوسائل
الإعلام أكثر خطورة على الطفل العربي في ظل غياب أسس اختيار موادها الإعلامية.