الوسيم
عدد المساهمات : 9 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: إحياء سنن الإسلام وقواعده 19/12/2009, 9:16 pm | |
| إحياء سننالإسلام وقواعده للكاتبالإسلامي الكبير
محب الدينالخطيب
سنن الإسلام وقواعده لا تنحصر في المسجد ، ولا في أصناف العبادة منصلاة وصوم وحج ، بل هي عامة شاملة لكل ما تعمه الحياة وتشمله الطمأنينة و السعادة ،لأنها هي رسالة الإسلام إلى الإنسانية ما بقيت الإنسانية .وهي تبدأ من العقل البشري ، لأنه المنظم لمدارك بني الإنسان ، والمحرك لجوارحهم و المتصرف ـ إيجاباً وسلباً ـ في عواطفهم و أهوائهم التي تنطويعليها جوانحهم[1]، فتحوطهبما يقيه الخطأ فيما يجب عليه من الحكم للحق على الباطل ، و الخطل[2]فيما ينبغي له من إيثار الخير علىالشر .و تصحب هذه السنن و القواعد النفس الإنسانية ـ في جميعأدوار حياتها ـ فتملي عليها التصرف الحميد في كل ما يصدر عنها من قول و عمل فيمعترك الحياة ، وفي مذاهب العيش ، و في تنظيم الحوائج و الضرورات ، و في تعديلالميول و الأهواء. وهذه السنن و القواعديقوم منها حارس أمين على المنزل و الأسرة إذا اتخذت معياراً للأقدار ، ومقياساً فيالحسنات و الأوزار ، و إذا عني الوالدان بأن يسيرا عليها في أخلاقهما و تصرفاتهما ،و يكونا قدوة للبنين و البنات في معرفتها من طريق العادة و العمل ، و التزامها فيالسر و العلن .و من هذه السنن و القواعد ما لو تعامل به الجار معجيرانه و التاجر مع عملائه ، و الأقارب مع أنسبائهم و أصهارهم ، و صاحب العملوعماله ، و الموظف مع أصحاب المصالح في مصلحته ، و رئيس المصلحة مع موظفيه ، لكناجميعاً ـ بسبب العمل بهذه السنن و القواعد ـ أشبه بالأسرة الواحدة في المحبة والمودة ، حتى لو كان عددنا في هذا الوطن أربعين مليوناً ، بل كنا نكون ـ لو عملجميع المسلمين بها ـ كالأسرة الواحدة في المحبة و المودة و لو كان عدد المسلمينخمسمائة مليون .سعادة عظيمة هي في متناول أيدينا ، ولكنا لا نعرفها ،لأن الطريق الحقيقي و العملي لمعرفتها هو طريق التعامل بها، و مما يؤسف له أنالتعامل بها بطل من ألف سنة وأكثر ، وكان معمولاً بها في البطون الثلاثة الأولى فيالإسلام وهي زمن الصحابة و التابعين و التابعين لهم بإحسان ، وهم الذين صح عن رسولالله صلى الله عليه وسلمأنه قال فيهم : « خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم »[3]وكان قرنه خيراً من القرن الذيتلاه ، وكان القرن الذي تلاه خيراً من الثالث و القرون الثلاثة ـ بنص الخبر المحمديالصحيح ـ هي خير قرون الإسلام ، لا لأنهم اكتسبوا ذلك من زمنهم ، فالزمن في نفسهمتشابه به قبل آدم وبعد آدم ، وقبل محمد صلى الله عليه وسلموبعده ، وقبل القرون الثلاثة منأجيال الإسلام و بعدها ، بل الخير الذي امتازت به الأجيال الثلاثة الأولى فيالإسلام جاءهم من اتباع هذه السنن و القواعد وعلمهم بها ، وكان الموفق من الله منأبنائهم يتعلمها من الآباء بالقدوة و المشاهدة و العمل . وزمن الدولة الأموية ـالذي رسم أكثر الناس صورة له في أذهانهم كاذبة مشوهة ـ كان ثالث هذه الثلاثة ، وحتىالذين كانت فيهم رجولة وشهامة وحزم وتربية من خلفاء صدر الدولة العباسية هم الذينتربوا في زمن دولة بني أمية ، ثم أخذ الناس يتهاونون بهذه السنن و القواعد من طريقالقدرة[4]أيضاً ـ كما كانوايعملون بها بالقدوة ـ حتى تناسوها و تناسوا أكثرها ، و الموجود منها الآن عند أصلحالناس يكاد يكون من أشكال هذهالسنن والقواعد ومن مظاهرها ، وقلما أبقى الناس علىشيء من حقائقها . و الذي ضاع بتاتاً ونسي بالمرة تسعمائة جزء من الألف ، والذي بقيتمظاهره و أشكاله لا يبلغ مائة من الألف . وهو في نفسه من الشكليات التي لا أثر لهافي نفس الإنسانية إلا من طريق العرض ، أما جواهرها وحقيقتها التي تسمو بالنفسالإنسانية فهي التي أُهملت ونُسيت .ويقول نبينا محمد صلى الله عليهوسلم فيما رواه الترمذي : « من أحيا سنة أميتت بعدي كان معي في الجنة »[5] .و كان صلى الله عليه وسلم يعلم أنشريعته وسنته ستحتاج إلى من يحييها و يقيمها في عصورنا ، كما احتاجت إلى من يعين عنتقريرها و تعميمها و الدعوة إليها ابتداء في القرون الثلاثة الأولى ، فبشر صلى اللهعليه وسلمالعاملين على إحياء سنن الإسلام و قواعده فيعصورنا بأنهم كالغيث الذي يحيي الله به الأرض و أنهم يضارعون[6] في الخير ذلك الغيث الأول الذي أحيا الله به الإسلام في القرونالثلاثة الأولى .ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في مارواه الترمذي أيضاً : « إنما مثل أمتي كمثل الغيث لا يُدرى أولهخير أم آخره »[7] . وإذا كان لإحياء سنن الإسلاموقواعده هذه المنزلة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا شك أن العاملين علىإحيائها مثوبون على عملهم كثواب العبادة ، بل إن هذا من نوع الجهاد ، و الجهاد أفضلالعبادات ، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه : « إن العبادة وقت الهرج و الفتن كهجرة إلي »[8] .هذه الملايين التي أسلمت في صدر الإسلام في مختلفالأقطار لم تسلم بالجدل و المناظرة ، لأن الإسلام يكره الجدل و يكتفي من المناظرةبعرض الحق على فطرته ونقائه . ثم يرى الأغيار تطبيق ذلك في معاملة المسلمين الأولينو أخلاقهم ، فلا يخامرهم شك في أن هذا هو دين الفطرة ، و أنه الخير المحض المجردتعرفه الإنسانية وتنشد من ينهض به ويجعله دستوراً لأبنائها .و العمل بالخير المحض ، و بالحق النقي ، أمنية لجميع الأجيال ،وكان العمل بهما محتاجاً إلى سنن وقواعد تبينهما تبييناً حازماً واضحاً مركزاً ،وإلى أمة تجرب العمل بهما ، فيتجلى أثر ذلك من الطمأنينة و السعادة في المجتمع ،فتقبل الأمم عليه .
و كانت مهمة الإسلام ورسالته إعلان هذه السنن و القواعد، وكان واجب المسلمين العمل بهما ، و التخلق بأخلاقهما . وبهذا عمّ الإسلام أقطارالأرض المعروفة في زمن ظهوره . وكان الإسلام في زمن ظهوره غريباً ، وبمعرفة سننه والعمل بها زالت غربته . وصح بعد ذلك ما أنبأ به نبيناصلى الله عليه وسلممن أن الإسلام يعود غريباً كمابدأ[9] . ومعنى ذلك أن سننه وقواعده تُعَطل و تُهمل ،فيأتي على الإسلام زمان يحتاج فيه إلى من يزيل غربته بإحيائها ، وقد حضّ النبيصلى الله عليه وسلم على ذلك ورغب فيه بحديث الترمذيالذي أوردناه آنفاً وهو قوله صلوات الله عليه : « من أحيا سنة أميتت بعدي كان معيفي الجنة » .وبعد فإن لإحياء سنن الإسلام ثلاث مراحل :الأولى :الدعوة إلى ذلك بإخلاص وحسننية و ابتغاء وجه الله الكريم ، و أرجو أن تكون هذه الكلمة من هذه المرحلة .المرحلة الثانية :تفرغ أهل العلم منالأزهرين و الجامعين لتتبع هذه القواعد و استقصائها ، وتحري ما قاله سلف الأمة فيأحكامها ، وفهم ذلك وهضمه ، و النظر إليه من ناحية ما نرجوه لمجتمعنا من السعادةبهذه السنن و القواعد ، و ما يترتب عليها من الطمأنينة و الرضا العام الشامل .المرحلة الثالثة :العمل بذلك و تربيةالمسلم نفسه على العمل بسنن الإسلام في عقله ونفسه و بيته وأسرته و بيئته و محيطهوكل ما يتصل به .بهذا نكون مسلمين ، و بهذا يكون البعث الإسلامي ، وهذاهو الوجه المشرق الجميل للإسلام ، و يستحيل على غير المسلمين أن يروه وأن لا يحبوه، فكيف بالمسلمين من خاصة وعامة وتابعين و متبوعين[10] .
إن المسلمين بانسلاخهم الآن عن سنن الإسلام التي فيها سر جماله قد أصبحواحجاباً بين الإسلام و معرفة الأمم به ، فهي لا ترى من الإسلام إلا ما عليه المسلمون . و الذي عليه المسلمون اليوم غير الذي كان عليه المسلمون الأولون عندما عرفواالإسلام من الرسول الذي جاءهم به ، و عندما عرفه الذين جاءوا بعدهم من السيرة التيكان عليها تلاميذ الداعي الأول صلى الله عليه وسلم و الذين بقوا منا على عهد الوفاءللإسلام اكتفوا منه بنظام عبادته ، و انحرفوا مع تيار المجتمع في نظام المجتمع منجهة التعامل و التطبُّع و التخلق بما يسموا بالنفس إلى المثل العليا ، أو ينحط بهاإلى المنافع الوقتية الزائلة ، فصرنا جميعاً ممن يؤثرون العاجلة و إن كانت تافهة ،على الآجلة و إن كانت أجل و أبقى و أرضى لله عز وجل .
كان الإسلام دين الإنسانية . و السنن و القواعد التي جاء بها هي سننالإنسانية العليا و المدنية الفاضلة ، وقد استجابت لها الأمم يوم كانت لا تزال كماهي وبقدر ما هي ، وكان من نتائج ذلك وثمراته ما نقرأه في التاريخ عن سيادة أسلافناوسعادتهم وازدهار العمران و العدالة و الطمأنينة بهم . و أخذ الإهمال و التهاون والتناسي ينقص هذه السنن و القواعد فتذبل خضرة أغصانها ، إلى أن تحولت بقاياهاالقليلة من أغصان زمردية يانعة الفاكهة و الزهر ، إلى حطب اقتنع من يراه بأنه لايصلح إلا للوقود . وما على الإسلام ذنب في شيء من هذا التحول ، ولكن الذنب فيه علىالمسلمين ، ولا أحصره بمسلمي جيلنا ، بل هو يعم كل من ساهم في هذا الإهمال من مسلميالأجيال بعد البطون الثلاثة الأولى . و أعود فأذكر صالحيالمسلمين من أزهرين وجامعيين وسائر المثقفين بقول نبي الإنسانية ورسولها الأعظم صلىالله عليه وسلم : ( من أحيا سنة أميتت بعدي كان معي في الجنة ) . وقد يظن من يأنسفي نفسه الميل إلى المساهمة في هذا الخبر أن إحياء سنن الإسلام و قواعده عمل علمييتم بالبحث عنها في كتب الحديث المحمدي و الشريعة الإسلامية وسيرة السلف وتدوين ذلكونشره في مقالات و رسائل وكتب . ولا أنكر أن هذا من خير ما يعمله أهل العلم والشباب الإسلامي المثقف ، غير أنطريقة السلف في هذه الناحية هيأنهم كلما عرفوا شيئاً من ذلك عملوا به في أنفسهم ، وأرشدوا إليه إخوانهم وأحبابهموذويهم ، فإذا انتقلوا إلى غيره من طريق العلم انتقلوا إليه وهم عاملون بما عرفوهمن قبل .وقد حدثت بذلك فيما مضى بما رواه حماد بن زيد وغيره عن عطاء بنالسائب أن عبد الرحمن السلمي قال : أخذت القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذاتعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعملوا ما فيهن .فكنا ( نتعلم ) القرآن و ( العمل ) به . و إنه سيرث القرآن بعدنا قوملا يجاوز تراقيهم ، بل لا يجاوز هاهنا ( و وضع يده على حلقومه ) .
..:: يتبع ::..
ـــــــــــــــــــــ هامش ـــــــــــــــــــــ
[1] الجوانح : الأضلاع التي تحت التّرائب وهي مما يلي الصدر كالضلوع مما يلي الظهر .[2] الخطل : الاضطراب في الكلام .[3] هكذا بهذا اللفظ لا أصل له ، و المحفوظ في كتبالسنن ( خير الناس قرني ... ) وهو في الصحيحين ، في نسخة التحميل ظهرت خطئاً قولي [ وقد تقدم ] ! وهذا لا يخفى على الإخوة بإذن الله ...[4] كذا في المطبوع ، وكأنه أراد ( القدوة ) .[5] ضعيف هكذا ، ويغني عنه أحاديث صحيحه أخر مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( منسن سنة خير فأتبع فليها فله أجره و مثل أجور من اتبعه ) رواه الترمذي 2675 و قولهصلى الله عليه وسلم ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقصذلك من أجورهم شيئاً ) رواه الترمذي كذلك 2674 .[6] أي يشابهون .[7] انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 2286 فقد صححه الألباني هناك بلفظ : ( مثل أمتي مثلالمطر ، لا يدرى أوله خير أم آخره ) .[8] صحيح الإمام مسلم ( 2948 ) .[9] روى الإمام مسلم [370] وغيره ، قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضيالله عنه : ( بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء ) ،وللإمام ابن رجب الحنبلي رسالة نافعة جداً اسمها ( كشف الكربة في وصف حال أهلالغربة ) يحسن الإطلاع عليها . [10] فهذا نداء لكل من اشتغل بهذا الدين لا تدعواإلى الله بقولك ، و إلى النار بفعلك ! ، فتكون فعالك قبيحة تنفر الناس منك ومندعوتك ، ويحكم الضعاف على ما تحمله من حق وخير بالضلال و الشر بسبب أنك أسأت لنفسكأولاً ، فالسمت السمت رعاكم الله ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – كما نقل عنهالمباركفوري في تحفة الأحوذي – معرفاً السمت : ( تحرّي طُرق الخير ، والتزيّ بزيّالصالحين ، مع التَّنَزّه عن المعائب الظاهرة و الباطنة ) .
| |
|
بـنـ غـزة ـت Admin
عدد المساهمات : 150 تاريخ التسجيل : 20/02/2010 العمر : 29 الموقع : http://ughx.ahlamontada.ne
| موضوع: رد: إحياء سنن الإسلام وقواعده 8/8/2010, 6:27 pm | |
| جزاك الله خيراً علي المعلومات القيمة تحيــــــــــــــــــــاتي | |
|