هي زينب بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، أبوها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالدتها أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد الأسدية القرشية رضي الله عنها، وهي كبرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده، ولدت في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية بعشر سنوات، ولما بلغت سن الزواج ـ وكانت النساء يتزوجن صغيرات دون العاشرة ـ طلبتها خالتها هالة بنت خويلد من أختها خديجة لابنها أبي العاص بن الربيع العبشمي القرشي، وكان أحد رجالات مكة المعدودين: مالاً وأمانة وتجارة، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم له وذلك قبل البعثة، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت زينب، وبقي زوجها على شركه، وكان أبو الربيع يحبها ويكرمها، وكانت هي تبادله مشاعره.
ولدت له ولداً اسمه: علي، وبنتاً اسمها: أمامة، تزوجها فيما بعد علي بن أبي طالب بعد وفاة زوجته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ولم تكن السيدة زينب فيمن حوصر في شعب أبي طالب مع قومها من بني هاشم، ولكن أخبارهم كانت تصل إليها فتروعها بالذي يكابده أهلها هناك، ولما خرج أهلها من الحصار، توفيت والدتها رحمها الله فآلمها ذلك ألماً شديداً، ثم جاءت الهجرة فهاجر الرسول عليه السلام ثم أختيها فاطمة وأم كلثوم، وبقيت في مكة في بيت زوجها إذ لم يكن الإسلام فرّق بينهما بعد، وفي السنة الثانية للهجرة حدثت معركة بدر الكبرى بين المسلمين وفيهم أبوها وبعض أهلها، وبين كفار قريش وفيهم زوجها، فكانت تنظر إلى المعركة من جانبين مختلفين فإما اليتم وإما الترمل، وجاءت الأخبار بانتصار المسلمين وقتل عدد من صناديد قريش، وأسر عدد آخر وفيهم زوجها أبو العاص، ولما بعثت قريش بالأموال في فداء أسراهم، بعثت السيدة زينب مع أخي زوجها عمرو بن الربيع بمال ووضعت فيها قلادة من جزع كانت أهدتها لها أمها يوم عرسها، فلما رأى الرسول عليه السلام القلادة رقّ لها رقّة شديدة، وقال لأصحابه: (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا) فقالوا: نعم يا رسول الله، وامتثلوا لطلبه، فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا العاص وأخذ عليه عهداً بإرسال زينب إليه في المدينة في أقرب فرصة، ولما وصل أبو العاص إلى مكة كان أول ما فعله هو: تجهيز السيدة زينب للسفر إلى المدينة بمرافقة زيد بن حارثة، ورجل أنصاري بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة، وخرج معها للقاء الرجلين أخو زوجها كنانة بن الربيع، فلحقه نفر من قريش لمنعها من السفر وفيهم هبار بن الأسود الأسدي وكانوا موتورين بسبب معركة بدر، فنخس بعير السيدة زينب فسقطت على صخرة، وكانت حاملاً في شهرها الرابع فأجهضت، فعاد بها كنانة إلى زوجها يمرّضها، وبعد أيام خرجت السيدة زينب برفقة الرجلين ووصلت إلى المدينة لتعيش مع أسرتها بعيداً عن زوجها.
وفي أواخر سنة ست للهجرة خرج زوجها أبو العاص تاجراً إلى الشام، ولما رجع ماراً قرب المدينة لقيته سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة زيد بن حارثة ومعه مائة وسبعون رجلاً فأصابوا البضاعة، وفر أبو العاص منهم تحت جنح الظلام، والتجأ إلى بيت السيدة زينب واستجار بها، ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح وكبّر للصلاة وكبّر الناس، صرخت زينب من صُفّة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلّم الرسول عليه السلام من الصلاة، أقبل على الناس فقال: أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم، قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على ابنته فقال: أي بنيه أكرمي مثواه ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له ما دام مشركاً، ومن هذا اليوم أسلم أبو العاص واستأذن من الرسول للذهاب إلى مكة لأداء الحقوق إلى أصحابها، ثم عاد إلى النبي في المدينة مهاجراً في شهر محرم سنة (7) للهجرة. فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بالنكاح الأول وفي رواية: بنكاح جديد، وبعد نحو عام من عودة أبي العاص مرضت السيدة زينب ثم توفيت على إثر ذلك، فصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفنت في البقيع رحمها الله تعالى ورضي الله عنها.