السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نداء مزعج ينطلق مباشرة دون مواربة أو مجاملة تتبعه نداءات أكثر أزعاجًا.
نداءات يستمع لها كل آدمي على الأرض يحمل هاتفًا نقالاً أو لا يحمل، فالرصيد يقارب على الانتهاء، وعليك أن تستدرك نفسك قبل فوات الأوان.
يا غارقًا في الغفلة، تتكلم أينما شئت وكيفما شئت فإن لم تحاسب نفسك وتتفقد أحوالك فالنداء يطاردك، رصيدك يقارب على الانتهاء.
تستمع لهذا النداء في جمع كبير يقول لجليسك إنَّ رصيدك يقارب على الانتهاء ولا تتفقد هاتفك ذاتيًا قبل أن ينطلق منه هذا النداء لك أمام الناس، وأجزمُ أنه لا يحب أحد الاستماع لهذا النداء، وبخاصة أمام الناس، ومع ذلك فيتم تجاهل المصير المحتوم إلا من رحم ربك تدفن الصديق والقريب والحبيب، وترى مشهد الموت الذي يأتي على غفلة فيأخذ الشاب وصحيح الجسم كما يأخذ الكبير والمريض والغني والفقير والأمير والأجير، على حدٍ سواء وقد تستمع لمواعظ الواعظين وتحذيراتهم وتزهيدهم في الدنيا والتحذير من الغفلة والتسويف.
إنَّ رصيدك يقارب على الانتهاء ومع ذلك لا تبادر ولا تعد للأمر عدته؟ وأحيانًا تنتهي فترة صلاحية الإرسال فلا تستطيع إيصال صوتك لأحد ثم تنتهي فترة الاستقبال والعياذ بالله فيكون بعدها الفصل الدائم الموت.
يا أيها الإنسان، الذرة التائهة في الكون إلا مَن هدى الله، إنَّ رصيدك يقارب على الانتهاء أو إنك أصبحت كتلة من الدم واللحم قد لا ترسل ولا تستقبل إلا بمساعدة قلما تتوفر وقد يصل الأمر إلى أن ينفضَّ كل من حولك عنك ثم يكون الموت الفاجعة المصيبة الكبرى.
إنَّ النداءات متعددة فبعضها لسان مقال يتمثل بالمواعظ والخطب، وبعضها لسان حال تتمثل بالشيب وضعف الجسم ودخول فترة أعمار أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- أو بعضها الأمراض، وبعضها رؤية الجنائز وقصص الموتى وحالاتهم المتعددة التي لا يوضع لها قانون وليس لها تفسير إلا تفسير واحد هو القدر والأجل الذي يجعل الحدث والعمر والخطر غير كافية لوحدها للموت ومفارقة الحياة الدنيا؛ إنما السبب المباشر هو القدر الذي لا يعرفه أحد إلا الله ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ (لقمان: من الآية 34).
لم تنته مواضع الآلام التي يجب أن يكتب عنها، فهي متزاحمة متعددة متجددة، وفي كل يوم لطمة، ولكنني أردت أن أخاطب فيكم الوجدان الذي يستحضر الموت ويتذكره ويستعد له، ومن أكثر ذكر الموت فهو من الأحياء الذين يسهمون في عمارة الأرض.
لكن الذين يغفلون عن الموت هم الأموات الذي يفسدون الأرض ويهدرون ما فيها ويسعون في خرابها، فمن نسي الموت نسي العمل الصالح الذي تتجاوز منفعة صاحبه، ومن نسي الموت سوَّف وأجّل، وظلم وغدر وفجر، وسرق وسلب، وتطاول وتكبَّر.
وأخيرًا فإنَّ رصيدك يقارب على الانتهاء واجه الحقيقة كما هي قبل أن تنتهي فترة الصلاحية فتقول رب ارجعون، وقبل أن تسمع وجاءت سكرة الموت بالحق أو سكرة الحق بالموت، ونسأل الله حسن الخاتمة.