كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:03 pm | |
| ويؤيد ذلك أن وقوع قصتين مثل هذه لأعميين كل منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد الرسول × فيها الناس، بعيد في العادة، ويمكن أن تكون هذه القصة غير تامة. وجه الدلالة: وهذه المرأة إما أن تكون زوجة لهذا الرجل أو مملوكة، وعلى التقديرين فلو لم يكن قتلها جائزًا لبين النبي × له أن قتلها كان محرمًا، وأن دمها كان معصومًا، ولأوجب عليه الكفارة بقتل المعصوم، والدية إن لم تكن مملوكة له، فلما قال: «اشهدوا أن دمها هدر» والهدر الذي لا يضمن بقود ولا دية ولا كفارة، علم أنه كان مباحًا مع كونها ذمية، فعلم أن السب أباح دمها، لاسيما والنبي × إنما أهدر دمها عقب إخباره بأنها قتلت لأجل السب، فعلم أنه الموجب لذلك، والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك. الدليل الثالث: قصة العصماء بنت مروان التي ندب النبي × إلى قتلها بسبب هجائها له: ما روي عن ابن عباس من قصة العصماء بنت مروان قال: هجت امرأة من خطمة النبي × فقال: «من لي بها؟»، فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي × فقال: «لا ينتطح فيها عنزان»، وقد ذكر بعض أصحاب المغازي وغيرهم قصتها مبسوطة. قال الواقدي: حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضل عن أبيه أن عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطمي، وكانت تؤذي النبي × وتعيب الإسلام، وتحرض على النبي × وقال عمير بن عدي الخطمي حين بلغه قولها وتحريضها: اللهم إن لك عليَّ نذرًا لئن رددت رسول الله × إلى المدينة لأقتلنها، ورسول الله × ببدر، فلما رجع رسول الله × من بدر جاء عمير في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها، فحسها بيده فوجد الصبي ترضعه، فنحاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها، حتى أنفذه من ظهرها، ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي × فلما انصرف × نظر إلى عمير فقال: أقتلت بنت مروان؟ قال: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، وخشي أن يكون عمير افتات على رسول الله × بقتلها، فقال: هل علي شيء يا رسول الله؟ قال: «لا ينتطح فيها عنزان»، فإن أول ما سمعت هذه الكلمة من رسول الله × قال عمير: فالتفت النبي × إلى من حوله فقال: «إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي»، فقال عمر بن الخطاب: انظروا إلى هذا الأعمى الذي تسرى في طاعة الله، فقال: «لا تقل الأعمى، ولكنه البصير!». فلما رجع عمير من عند رسول الله × وجد بنيها في جماعة يدفنونها، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلاً من المدينة، فقالوا: يا عمير، أنت قتلتها؟ فقال: نعم، فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون! والذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم، فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة، وكان منهم رجال يستخفون بالإسلام خوفًا من قومهم. وجه الدلالة: ووجه الدلالة أن هذه المرأة لم تقتل إلا لمجرد أذى النبي × وهجوه، وهذا بَيِّن في قول ابن عباس: «هجت امرأة من بني خطمة النبي × فقال: «من لي بها؟»، فعلم أنما ندب إليها لأجل هجوها، وكذلك في الحديث الآخر: «فقال عمير حين بلغه قولها وتحريضها: اللهم إن لك عليَّ نذرًا لئن رددت رسول الله × إلى المدينة لأقتلنها» ، وفي الحديث لما قال له قومه: «أنت قتلتها؟»، قال: «نعم، فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون! فوالذي نفسي بيده لو قلتم جميعًا ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم» فهذه مقدمة. لم تقتل لتحريضها على القتال بل لمجرد السب: | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:03 pm | |
| ومقدمة أخرى أن شعرها ليس فيه تحريض على قتال النبي × حتى يقال: التحريض على القتال قتال، وإنما فيه تحريض على ترك دينه وذم له ولمن اتبعه، وأقصى غاية ذلك أن لا يدخل في الإسلام من لم يكن دخل، أو أن يخرج عنه من دخل فيه، وهذا شأن كل ساب. يبين ذلك أنها هجته بالمدينة، وقد أسلم أكثر قبائلها، وصار المسلم بها أعز من الكافر، ومعلوم أن الساب في مثل هذه الحال لا يقصد أن يقاتل الرسول وأصحابه وإنما يقصد إغاظتهم وأن لا يتابعوا. وأيضًا، فإنها لم تكن تطمع في التحريض على القتال، فإنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير أن جميع قبائل الأوس والخزرج لم يكن فيهم من يقاتل النبي × بيد ولا لسان، ولا كان أحد بالمدينة يتمكن من إظهار ذلك، وإنما غاية الكافر أو المنافق منهم أن يثبط الناس عن اتباعه، أو أن يعين على رجوعه من المدينة إلى مكة، ونحو ذلك مما فيه تخذيل عنه وحض على الكفر به، لا على قتاله، على أن الهجاء إن كان من نوع القتال فيجب انتقاض العهد به، ويقتل به الذمي، فإنه إذا قاتل انتقض عهده لأن العهد اقتضى الكف عن القتال، فإذا قاتل بيد أو لسان فقد فعل ما يناقض العهد وليس بعد القتال غاية في نكث العهد. إذا تبين ذلك فمن المعلوم من سيرة النبي × الظاهر علمه عند كل من له علم بالسيرة أنه × لما قدم المدينة لم يحارب أحدًا من أهل المدينة، بل وادعهم، حتى اليهود، خصوصًا بطون الأوس والخزرج، فإنه كان يسالمهم ويتألفهم بكل وجه، وكان الناس إذ قدمها على طبقات: منهم المؤمن وهم الأكثرون، ومنهم الباقي على دينه، وهو متروك لا يُحارِب ولا يُحارَب، وهو والمؤمنون من قبيلته وحلفائهم أهل سلم، لا أهل حرب، حتى حلفاء الأنصار أقرهم النبي × على حلفهم، فإذا كان النبي × قد أقرهم كانت هذه المرأة من المعاهدين، ثم إنه مع هذا ندب الناس إلى قتل المرأة التي هجته، وقال فيمن قتلها: «إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى هذا»، فثبت بذلك أن هجاءه وذمه موجب للقتل غير الكفر، وثبت أن الساب يجب قتله، وإن كان من الحلفاء والمعاهدين. فإذا كان قد أمر بقتل هذه المرأة فإما أن يقال: «هجاؤها قتال»، فهذا يفيدنا أن هجاء الذمي قتال، فينقض العهد، ويبيح الدم، أو يقال: «ليس بقتال»، وهو الأظهر، لما قدمناه من أنه لم يكن فيه تحريض على القتال، ولا كان لها رأي في الحرب، فيكون السب جناية مضرة بالمسلمين غير القتال موجبة للقتل بمنزلة قطع الطريق عليهم، ونحو ذلك يفيد أن السب موجب للقتل لوجوه: الوجه الأول: أنه لو لم يكن موجبًا للقتل لما جاز قتل المرأة، وإن كانت حربية؛ لأن الحربية إذا لم تقاتل بيد ولا لسان لم يجز قتلها إلا بجناية موجبة للقتل، وهذا ما أحسب فيه مخالفًا، لاسيما عند من يرى قتالها بمنزلة قتال الصائل. الوجه الثاني: أن هذه السابة كانت من المعاهدين ممن هو أحسن حالاً من المعاهدين في ذلك الوقت، فلو لم يكن السب موجبًا لدمها لما قتلت، ولما جاز قتلها؛ ولهذا خاف الذي قتلها أن تتولد فتنة حتى قال النبي ×: «لا ينتطح فيها عنزان» مع أن انتطاحهما إنما هو كالتشام، فبين × أنه لا يتحرك لذلك قليل من الفتن ولا كثير؛ رحمة من الله بالمؤمنين، ونصرًا لرسوله ودينه، فلو لم يكن هناك ما يحذر معه قتل هذه لولا الهجاء لما خيف هذا. الوجه الثالث: أن الحديث مصرح بأنها إنما قتلت لأجل ما ذكرته من الهجاء، وأن سائر قومها تركوا إذ لم يهجوا، وأنهم لو هجوا لفعل بهم كما فعل بها، فظهر بذلك أن الهجاء موجب بنفسه للقتل، سواء كان الهاجي حربيًّا أو مسلمًا أو معاهدًا، حتى يجوز أن يقتل لأجله من لا يقتله بدونه. الوجه الرابع: أن المسلمين كانوا ممنوعين قبل الهجرة وفي أوائل الهجرة من الابتداء بالقتال، وكان قتل الكفار حينئذ محرمًا، وهو من قتل النفس بغير حق كما قال تعالى: +أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ" إلى قوله: +فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ" [النساء: 77]، ولهذا أول ما أنزل من القرآن فيه نزل بالإباحة لقوله: +أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ" [الحج: 39]، ثم إنه لم يقاتل أحدًا من أهل المدينة، ولم يأمر بقتل أحد من رءوسهم الذين كانوا يجمعونهم على الكفر ولا من غيرهم، والآيات التي نزلت إذ ذاك إنما تأمر بقتال الذين أخرجوهم وقاتلوهم، ونحو ذلك، وظاهر هذا أنه لم يؤذن لهم إذ ذاك في ابتداء قتل الكافرين من أهل المدينة، وإذ أمر بقتل هذه المرأة التي هجت، ولم يؤذن له في قتل قبيلتها الكافرين، علم أن السب موجب للقتل، وإن كان هناك ما يمنع لولا السبب كالعهد والأنوثة ومنع قتل الكافر الممسك أو عدم إباحته، وهذا وجه حسن دقيق. فإذا قتل المرأة التي هجت من هؤلاء وليسوا عنده محاربين بحيث يجوز قتالهم مطلقًا كان قتل المرأة التي تهجوه من أهل الذمة بهذه المثابة أولى؛ لأن هذه قد عاهدناها على أن لا تسب، وعلى أن تكون صاغرة، وتلك لم نعاهدها على شيء. | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:04 pm | |
| الدليل الرابع: قصة القينتين اللتين كانت تغنيان بهجاء النبي × فأهدر دمها لذلك: قال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري: وأمرهم رسول الله × أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحدًا إلا من قاتلهم، وأمر بقتل أربعة نفر، قال: وأمر بقتل قينتين لابن خطل تغنيان بهجاء رسول الله × ثم قال: وقتلت إحدى القينتين وكمنت الأخرى حتى استؤمن لها، وكذلك ذكر محمد بن عائذ القرشي في مغازيه. وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير واستفاض نقله استفاضة يستغنى بها عن رواية الواحد. وجه الدلالة: أن تعمد قتل المرأة لمجرد الكفر الأصلي لا يجوز بالإجماع، وقد استفاضت بذلك السنة عن رسول الله × كما سبق، وهؤلاء النسوة كن معصومات بأنوثة، ثم إن النبي × أمر بقتلهن لمجرد كونهن كن يهجينه، وهن في دار حرب، فعلم أن من هجاه وسبه جاز قتله بكل حال. ومما يؤكد ذلك وجوه: الوجه الأول: أن هؤلاء النسوة كن من أهل الحرب، وقد آذين النبي × في دار الحرب، ثم قتلهن بمجرد السب كما نطقت به الأحاديث، فقتل المرأة الذمية بذلك أولى وأحرى كالمسلمة؛ لأن الذمية بيننا وبينها من العهد ما يكفيها عن إظهار السب، ويوجب عليها التزام الصغار، ولهذا تؤخذ بما تصيب به المسلم من دم أو مال أو عرض، والحربية لا تؤخذ بشيء من ذلك. فإذا جاز قتل المرأة لأنها سبت الرسول وهي حربية تستبيح ذلك من غير مانع، فقتل الذمية الممنوعة من ذلك بالعهد أولى. ولا يقال: عصمة الذمي أوكد لأنه مضمون والحربي غير مضمون؛ لأنا نقول: الذمي أيضًا ضامن لدم المسلم والحربي غير ضامن، فهو ضامن مضمون؛ لأن العهد الذي بيننا اقتضى ذلك، وأما الحربية فلا عهد بيننا وبينها يقتضي ذلك، فليس كون الذمي مضمونًا يجب علينا حفظه بالذي يهون عليه ما ينتهكه من عرض الرسول × بل ذلك أغلظ لجرمه، وأولى بأن يؤاخذ بما يؤذينا به، ولا نعلم شيئًا تقتل به المرأة الحربية قصدًا إلا وقتل الذمية به أولى. الوجه الثاني: أن هؤلاء النسوة لم يقاتلن عام الفتح، بل كن متذللات مستسلمات، والهجاء إن كان من جنس القتال فقد كان موجودًا قبل ذلك، والمرأة لا يجوز قتلها في غزوة هي فيها مستسلمة لكونها قد قاتلت قبل ذلك، فعلم أن السب بنفسه هو المبيح لدمائهن، لا كونهن قاتلن. الوجه الثالث: أن النبي × آمن جميع أهل مكة إلا أن يقاتلوا، مع كونهم قد حاربوه وقتلوا أصحابه ونقضوا العهد الذي بينهم وبينه، ثم إنه أهدر دماء هؤلاء النسوة فيمن استثناه وإن لم يقاتلن لكونهن كن يؤذينه، فثبت أن جرم المؤذي لرسول الله × بالسب ونحوه أغلظ من جرم القتال وغيره، وأنه يقتل في الحال التي نهى فيها عن قتال من قتل وقاتل. الوجه الرابع: أن القينتين كانتا أمتين مأمورتين بالهجاء، وقتل الأمة أبعد من قتل الحرة، فإن النبي × نهى عن قتل العسيف وكونها مأمورة بالهجاء أخف لجرمها حيث لم تقصده ابتداء، ثم مع هذا أمر بقتلهما، فعلم أن السب أغلظ الموجبات للقتل. الوجه الخامس: أن هؤلاء النسوة إما أن يكن قتلن بالهجاء؛ لأنهن فعلنه مع العهد الذي كان بين النبي × وبين أهل مكة، فيكون من جنس هجاء الذمي، أو قتلن لمجرد الهجاء مع عدم العهد، فإذا كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فإذا جاز أن تقتل السابة التي لا عهد بيننا وبينها يمنعها، فقتل الممنوعة بالعهد أولى؛ لأن مجرد كفر المرأة وكونها من أهل الحرب لا يبيح دمها بالاتفاق على ما تقدم، لاسيما والسب لم يكن بمنزلة القتال على ما تقدم. | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:05 pm | |
| خطأ من قيد تكفير الساب بالاستحلال: ذهب بعض المنتسبين إلى العلم أن ساب الرسول × لا يكفر إلا بالاستحلال، قال القاضي أبو يعلي في «المعتمد»: من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر، سواء استحل سبه أو لم يستحله، فإن قال: «لم أستحل ذلك» لم يقبل منه في ظاهر الحكم رواية واحدة، وكان مرتدًا؛ لأن الظاهر خلاف ما أخبر، لأنه لا غرض له في سب الله وسب رسوله إلا أنه غير معتقد لعبادته غير مصدق بما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- ويفارق الشارب والقاتل والسارق إذا قال: «أنا غير مستحل لذلك» أنه يصدق في الحكم؛ لأن له غرضًا في فعل هذه الأشياء مع اعتقاد تحريمها وهو ما يتعجل من اللذة، قال: وإذا حكمنا بكفره فإنما نحكم به في ظاهر من الحكم، فأما في الباطن فإن كان صادقًا فيما قال فهو مسلم، قلنا في الزنديق لا تقبل توبته في ظاهر الحكم. وذكر القاضي عن الفقهاء أن ساب النبي -عليه الصلاة والسلام- إن كان مستحلاً كفر، وإن لم يكن مستحلاً فسق، ولم يكفر كساب الصحابة، وهذا نظير ما يحكى أن بعض الفقهاء من أهل العراق أفتى هارون أمير المؤمنين فيمن سب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجلده، حتى أنكر ذلك مالك ورد هذه الفتيا مالك، وهو نظير ما حكاه أبو محمد بن حزم أن بعض الناس لم يكفر المستخف به. وقد ذكر القاضي عياض بعد أن رد هذه الحكاية عن بعض فقهاء العراق والخلاف الذي ذكره ابن حزم بما نقله من الإجماع عن غير واحد، وحمل الحكاية على أن أولئك لم يكونوا ممن يوثق بفتواه لميل الهوى به، أو أن الفتوى كانت في كلمة اختلف في كونها سبًّا، أو كانت فيمن تاب، وذكر أن الساب إذا أقر بالسب ولم يتب منه قتل كفرًا؛ لأن قوله إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو هو من كلمات الاستهزاء والذم، فاعترافه بها وترك توبته منها دليل على استحلاله لذلك، وهو كفر أيضًا، قال: فهذا كافر بلا خلاف. وقال في موضع آخر: إن من قتله بلا استتابة فهو لم يره ردة، وإنما يوجب القتل فيه حدًّا، وإنما نقول ذلك مع إنكاره ما شهد عليه به أو إظهاره الإقلاع عنه والتوبة، ونقتله حدًّا كالزنديق إذا تاب، قال: ونحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل فلا نقطع عليه بذلك لإقراره بالتوحيد وإنكاره ما شهد به عليه، أو زعمه أن ذلك كان منه ذهولاً ومعصية، وأنه مقلع عن ذلك نادم عليه، قال: وأما من علم أنه سبه معتقدًا لاستحلاله فلا شك في كفره بذلك، وكذلك إن كان سبه في نفسه كفرًا كتكذيبه أو تكفيره ونحوه، فهذا ما لا إشكال فيه، وكذلك من لم يظهر التوبة واعترف بما شهد به وصمم عليه فهو كافر بقوله واستحلاله هتك حرمة الله أو حرمة نبيه، وهذا أيضًا تثبيت منه بأن السب يكفر به لأجل استحلاله له إذا لم يكن في نفسه تكذيبًا صريحًا. وهذا موضع لابد من تحريمه، ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة. ويرحم الله القاضي أبا يعلي! قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا، وإنما وقع من وقع في هذه المهواة بما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية الإناث في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وإن لم يقترب به قول اللسان، ولم يقتض عملاً في القلب ولا في الجوارح. وصرح القاضي هنا، قال عقب أن ذكر ما حكيناه عنه: وعلى هذا لو قال الكافر: «أنا معتقد بقلبي معرفة الله وتوحيده، لكني لا آتي بالشهادتين كما لا آتي غيرها من العبادات كسلاً» لم يُحكَم بإسلامه في الظاهر، ويحكم به باطنًا! قال: وقول الإمام أحمد «من قال إن المعرفة تنفع في القلب من غير أن يتلفظ بها فهو جهمي» محمول على أحد وجهين: أحدهما أنه جهمي في ظاهر الحكم، والثاني: على أنه يمتنع من الشهادتين عنادًا؛ لأنه احتج أحمد في ذلك بأن إبليس عرف ربه بقلبه ولم يكن مؤمنًا، ومعلوم أن إبليس اعتقد أنه لا يلزم امتثال أمره تعالى بالسجود لآدم. وقد ذكر القاضي في غير موضع أنه لا يكون مؤمنًا حتى يصدق بلسانه مع القدرة وبقلبه، وأن الإيمان قول وعمل، كما هو مذهب الأئمة كلهم: مالك، وسفيان، والأوزاعي، والليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ومن قبلهم وبعدهم من أعيان الأمة. | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:06 pm | |
| وليس الغرض في هذا المقام استيفاء الكلام في الأصل، إنما الغرض أن نذكر منه ما يخص هذه المسألة، وذلك من وجوه: الوجه الأول: أن الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلاً كفر، وإلا فلا ليس لها أصل، وإنما نقلها القاضي من كتب بعض المتكلمين الذين نقلوها عن الفقهاء، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنوه جاريًا على أصولهم ، أو قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعد قوله قولاً، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمن هو أعلم الناس بمذاهبهم، فلا يظن ظان أن في المسألة خلافًا يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، وإنما ذلك غلط لا يستطيع أحد أن يحكي عن واحد من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفضيل البتة. الوجه الثاني: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السب حلال، فإنه لما اعتقد أن ما حرمه الله تعالى حلال كفر، ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال كفر، لكن لا فرق في ذلك بين سب النبي × وبين قذف المؤمنين والكذب عليهم والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها، فإنه من فعل شيئًا من ذلك مستحلاً كفر، مع أنه لا يجوز أن يقال من قذف مسلمًا أو اغتابه كفر، ويعني بذلك إذا استحله. الوجه الثالث: أن اعتقاد حل السب كفر، سواء اقترب به وجود السب أو لم يقترن، فإذا لا أثر للسب في التكفير وجودًا أو عدمًا، وإنما المؤثر هو الاعتقاد، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء. الوجه الرابع: أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل فيجب ألا يكفر، لاسيما إذا قال: «أنا أعتقد أن هذا حرام، وإنما أقول غيظًا وسفهًا، أو عبثًا أو لعبًا»، كما قال المنافقون: +إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ" [التوبة: 65]، وكما إذا قال: «إنما قذفت هذا وكذبت عليه لعبًا وعبثًا». فإن قيل: لا يكونون كفارًا، فهو خلاف نص القرآن، وإن قيل: يكونون كفارًا، فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السب مكفرًا، وقول القائل: أنا لا أصدقه في هذا لا يستقيم، فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل، فإذا كان قد قال: أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله؛ فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفرًا؟ ولهذا قال سبحانه وتعالى: +لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ" [التوبة: 66]، ولم يقل: قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب، فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين، بل بيَّنَ أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا الخوض واللعب. وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلق أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها، فالدليل على ذلك جميع ما قدمناه في المسألة الأولى من الدليل على كفر الساب. | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:07 pm | |
| منشأ الشبهة التي أوجبت هذا الوهم: ومنشأ هذه الشبهة التي أوجبت هذا الوهم من المتكلمين ومن حذا حذوهم من الفقهاء أنهم رأوا أن الإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر به، ورأوا أن اعتقاد صدقه لا ينافي السب والشتم بالذات، كما أن اعتقاد إيجاب طاعته لا ينافي معصيته، فإن الإنسان قد يهين من يعتقد وجوب إكرامه، كما يترك ما يعتقد وجوب فعله، ويفعل ما يعتقد وجوب تركه. ثم رأوا أن الأمة قد كفَّرت الساب، فقالوا: إنما كفر لأنه سبه دليل على أنه لم يعتقد أنه حرام، واعتقاد حله تكذيب للرسول، فكفر بهذا التكذيب لا بتلك الإهانة، وإنما الإهانة دليل على التكذيب، فإذا فرض أنه في نفس الأمر ليس بمكذب كان في نفس الأمر مؤمنًا، وإن كان حكم الظاهر إنما يجري عليه بما أظهره، فهذا مأخذ المرجئة ومعتضديهم، وهم الذين يقولون: الإيمان هو الاعتقاد والقول، وغلاتهم وهم الكرامية الذين يقولون: مجرد القول وإن عرى عن الاعتقاد! وأما الجهمية الذين يقولون: «هو مجرد المعرفة والتصديق بالقلب فقط وإن لم يتكلم بلسانه» فلهم مأخذ آخر، وهو أنه قد يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فإذا كان في قلبه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهار خلاف ذلك بلسانه في الباطن، كما لا ينفع المنافق إظهاره خلاف ما في قلبه في الباطن. بطلان مذهب المرجئة في تقييد تكفير الساب بالاستحلال: وجواب الشبهة الأولى وهي ما ذهبت إليه المرجئة من أن الإيمان هو الاعتقاد بالقول من وجوه: الوجه الأول: تصديق القلب يستلزم تعظيم الرسول وإجلاله ومحبته: فالإيمان وإن كان أصله تصديق القلب، فلذلك التصديق لابد أن يوجب حالاً من القلب وعملا له؛ وهو تعظيم الرسول وإجلاله ومحبته، وذلك أمر لازم كالتألم والتنعم عند الإحساس بالمؤلم والمنعم، وكالنفرة والشهوة عند الشعور بالملائم والمنافي، فإذا لم تحصل هذه الحال والعمل في القلب لم ينفع ذلك التصديق ولم يغن شيئًا، وإنما يمتنع حصوله إذا عارضه معارض من حسد الرسول والتكبر عليه أو الإهمال له وإعراض القلب عنه، ونحو ذلك، كما أن إدراك الملائم والمنافي يوجب اللذة والألم إلا أن يعارضه معارض، ومتى حصل المعارض كان وجود ذلك التصديق كعدمه، كما يكون وجود ذلك كعدمه؛ بل يكون ذلك المعارض موجبًا لعدم المعلول الذي هو حال في القلب، وهذا هو الموجب لكفر مَنْ حَسَد الأنبياء أو تكبر عليهم، أو كره فراق الإلف والعادة، مع علمه بأنهم صادقون، وكفرهم أغلظ من كفر الجهال. الوجه الثاني: أن الإيمان تصديق بالخبر وانقياد للأمر: فالإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة؛ وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر، وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب جِماعُه الخضوع والانقياد للأمر، وإن لم يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب، وهو الطمأنينة والإقرار، فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد. وإذا كان كذلك فالسب إهانة واستخفاف، والانقياد للأمر إكرام وإعزاز، ومحال أن يهين القلب من قد انقاد له وخضع واستسلم أو يستخف به، فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة امتنع أن يكون فيه انقياد أو استسلام، فلا يكون فيه إيمان، وهذا هو بعينه كفر إبليس، فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولاً، ولكن لم ينقد للأمر، ولم يخضع له، واستكبر عن الطاعة فصار كافرًا. | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:08 pm | |
| وهذا موضع زاغ فيه خلق من الخلف تخيل لهم أن الإيمان ليس في الأصل إلا التصديق، ثم يرون مثل إبليس وفرعون ممن لم يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان لا بالقلب وكفره من أغلظ الكفر فيتحيرون، ولو أنهم هدوا لما هدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قول وعمل، أعني في الأصل قولاً في القلب وعملاً في القلب، فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته، وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره فيصدق القلب أخباره تصديقًا يوجب حالاً في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنًا إلا بمجموع الأمرين، فمتى ترك الانقياد كان مستكبرًا فصار في الكافرين وإن كان مصدقًا، فالكفر أعم من التكذيب: يكون تكذيبًا وجهلاً، ويكون استكبارًا وظلمًا، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب؛ ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالاً وهو الجهل، ألا ترى أن نفرًا من اليهود جاءوا إلى النبي × وسألوه عن أشياء فأخبرهم، فقالوا: «نشهد أنك نبي»، ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره، فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق؟ ألا ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرًا وأمرًا، فإنه يحتاج إلى مقام ثان، وهو تصديقه خبر الله وانقياده لأمر الله، فإذا قال: «أشهد أن لا إله إلا الله» فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمر الله، فإذا قال: «وأشهد أن محمدًا رسول الله» تضمنت تصديق الرسل فيما جاء به من عند الله، فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار، فلما كان التصديق لابد منه في كلا الشهادتين - وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول - ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان، وغَفَلَ عن أن الأصل الآخر لابد منه وهو الانقياد، وإلا فقد يصدق الرسل ظاهرًا وباطنًا ثم يمتنع من الانقياد للأمر؛ إذ غايته في تصديق الرسل أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله -سبحانه وتعالى- كإبليس، وهذا ما بيين لك أن الاستهزاء بالله أو برسوله ينافي الانقياد له؛ لأنه قد بلغ عن الله أنه أمر بطاعته، فصار الانقياد له من تصديقه في خبره، فمن لم يَنْقَدْ لأمره فهو إما مكذب له، أو ممتنع عن الانقياد لربه، وكلاهما كفر صريح، ومن استخف به واستهزأ بقلبه امتنع أن يكون منقادًا لأمره، فإن الانقياد إجلال وإكرام والاستخفاف إهانة وإذلال، وهذان ضدان، فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر، فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد. الوجه الثالث: أن الاستحلال قد يكون مرده إلى خلل في التصديق أو إلى خلل في الانقياد: ذلك أن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاده انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه، أو أنه حرمه، لكن امتنع من قبول هذا التحريم، وأبى أن يذعن لله وينقاد، فهو إما جاحد أو معاند؛ ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبرًا كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهيًا لم يكفر عن أهل السنة والجماعة، وإنما يكفر الخوارج، فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقًا بأن الله ربه فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق. | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:09 pm | |
| وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، كذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية، ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة. وتارة يعلم أن الله حرمها ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفرًا ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاده حكمة الأمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتباعًا لغرض النفس، وحقيقته كفر؛ هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به، ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر منه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد، وفي مثله قيل: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ» وهو إبليس ومن سلك سبيله. وبهذا يظهر الفرق بين العاصي، فإنه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويجب أن يفعله، ولكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة، فقد أتى من الإيمان بالتصديق والخضوع والانقياد، وذلك قول وعمل، لكن لم يكمل العمل. وأما إهانة الرجل من يعتقد وجوب كرامته كالوالدين ونحوهما؛ فلأنه لم يهن من كان الانقياد له والإكرام شرطًا في إيمانه، وإنما أهان مَنْ إكرامه شرط في بره وطاعته وتقواه، وجانبُ الله والرسول إنما كفر فيه؛ لأنه لا يكون مؤمنًا حتى يصدق تصديقًا يقتضي الخضوع والانقياد، فحيث لم يقتضه لم يكن ذلك التصديق إيمانًا، بل كان وجوده شرًّا من عدمه، فإن مَن خُلِق له حياة وإدراك، ولم يرزق إلا العذاب كان فَقْدُ تلك الحياة والإدراك أحب إليه من حياة ليس فيها إلا الألم. وإذا كان التصديق ثمرته صلاح حاله وحصول النعم له واللذة في الدنيا والآخرة، فلم يحصل معه إلا فساد حاله والبؤس والألم في الدنيا والآخرة، كان أن لا يوجد أحب إليه من أن يوجد. بطلان مقالة الجهمية في هذه القضية: وأما ما زعمه الجهمية من أن الإيمان مجرد المعرفة والتصديق، وإن لم يتكلم بلسانه، فجوابه من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: ما يستلزمه من أن من تكلم بالكفر من غير إكراه يجوز أن يكون مؤمنًا: ذلك أن مقتضى هذه الدعوى أن من تكلم بالتكذيب والجحد وسائر أنواع الكفر من غير إكراه على ذلك، فإنه يجوز أن يكون مع ذلك في نفس الأمر مؤمنًا، ومن جوَّز هذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. الوجه الثاني: أن من لم يتكلم بالإيمان بلسانه من غير عذر لم ينفعه ما في قلبه من المعرفة: فالذي عليه الجماعة أن من لم يتكلم بالإيمان بلسانه من غير عذر لم ينفعه ما في قلبه من المعرفة، وأن القول من القادر عليه شرط في صحة الإيمان، حتى اختلفوا في تكفير من قال: إن المعرفة تنفع من غير عمل الجوارح، وليس هذا موضع تقرير هذا. وما ذكره القاضي -رحمه الله- من التأويل لكلام الإمام أحمد فقد ذكر هو وغيره خلاف ذلك في غير موضع، وكذلك ما دل عليه كلام القاضي عياض، فإن مالكًا وسائر الفقهاء من التابعين ومن بعدهم -إلا من ينسب إلى بدعة- قالوا: الإيمان قول وعمل، وبَسْطُ هذا له مكان غير هذا. | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 12:10 pm | |
| الوجه الثالث: أن القول الذي ينافي الإيمان يبطله: ذلك أن من قال: «إن الإيمان مجرد معرفة القلب من غير احتياج إلى النطق باللسان» يقول: لا يفتقر الإيمان في نفس الأمر إلى القول الذي يوافقه باللسان، لا يقول إن القول الذي ينافي الإيمان لا يبطله، فإن القول قولان: قول يوافق تلك المعرفة، وقول يخالفها، فهب أن القول الموافق لا يشترط، لكن القول المخالف ينافيها. فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة، عامدًا لها، عالمًا بأنها كلمة كفر، فإنه يكفر بذلك ظاهرًا وباطنًا. ولا يجوز أن يقال: إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنًا، ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام، قال سبحانه: +مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النحل: 106]. ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط؛ لأن ذلك لا يُكرَه الرجل عليه، وهو قد استثنى من أكره، ولم يرد من قال واعتقد؛ لأنه استثنى المُكْرَه، وهو لا يكره على العقد والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعلم أنه أراد من تلكم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، وأنه كافر بذلك إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرًا من المكرهين فإنه كافرًا أيضًا، فصار من تكلم بالكفر كافرًا إلا من أكره، فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، وقال تعالى: +لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ" [التوبة: 66]، فبين أنهم كفار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته. وهذا باب واسع، والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم، واقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنة الله في مخلوقاته، كاقتضاء إدراك الموافق للذة وإدراك المخالف للألم، فإذا عُدِمَ المعلوم كان مستلزمًا لعدم العلة، وإذا وجد الضد كان مستلزمًا لعدم التصديق النافع ولعدم الانقياد والاستسلام؛ فلذلك كان كافرًا.
كلمة أخيرة: بعد هذه الجولة مع الأدلة ومقالات أهل العلم نخلص إلى ما بدأنا به حديثنا في هذه النازلة؛ وهو أن جريمة سب الرسول × ليس لها إلا تكييف واحد؛ وهو الردة المغلظة والكفر المزيد، وأنه يتعين قتل فاعلها نكالاً له وزجرًا لغيره، وأن هذا هو الحكم المتعين الذي لا يحل العدول عنه عند القدرة عليه لما تقدم من الأدلة، مع عدم الإخلال بمقتضيات العدالة من التحقيق العادل، وحق المتهم في الدفاع عن نفسه، فإذا لم يتيسر إقامة هذا الحكم لسبب أو لآخر كان السعي في تشديد العقوبة بحسب الإمكان سعيًا موافقًا لمقصود الشارع بناء على أن مبنى الشريعة تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ووفقًا لقاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور، وما لا يدرك كله لا يترك جله. والله تعالى أعلى وأعلم. | |
|
| |
بابي انت وامي يارسول الله متالق
عدد المساهمات : 128 تاريخ التسجيل : 22/06/2009 العمر : 29 الموقع : عبادة الله
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 4:36 pm | |
| | |
|
| |
الشيخ سامي مبدع
عدد المساهمات : 227 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 13/7/2009, 4:52 pm | |
| شكرا لك اخي على مرورك العاطر | |
|
| |
عاشقة الجنان مبدع
عدد المساهمات : 316 تاريخ التسجيل : 23/06/2009 الموقع : 0047051Sow8
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 17/7/2009, 5:17 pm | |
| | |
|
| |
محبة الرسول مبدع
عدد المساهمات : 320 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 18/7/2009, 10:58 am | |
| يعطيك العافية على مجهودك الطيب بارك الله فيك | |
|
| |
جمال مبدع
عدد المساهمات : 247 تاريخ التسجيل : 13/07/2009 العمر : 30
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 29/7/2009, 1:57 am | |
| مشكور وبارك الله فيك على جهودك الطيبة | |
|
| |
أم المجد نشيط
عدد المساهمات : 57 تاريخ التسجيل : 29/06/2009 الموقع : تحت عرش الرحمن
| موضوع: رد: موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل 28/9/2009, 5:12 am | |
| جزاكـ الله الجنان أخي الكريم على جهودكـ وباركـ فيكـ | |
|
| |
| موضوع خطيرجدا والكل لازم يدخل | |
|