الانسان وهو يكابد الحياة يحتاج الى التخفيف والملاطفة بالطرفة والضحك والابتسامة والملح والفكاهة مع الالتزام بالجادة في العمل والصدق في الحديث والتأدب بأدب الاسلام.
ولما كانت الحياة تجمع بين المتناقضات من حزن وفرح وصحة ومرض وغنى وفقر وسعة وضيق ويسر وعسر وقوة وضعف.. الخ ولما كان الانسان مهما اوتي من قوة وسلطان وجاه ومال وولد وحسب ونسب وغلبة فانه لا يسلم مما يكدر عليه صفوه وينغص عليه حياته فإنه لا مانع ولا بأس من التخفيف عن النفس بكلمة طيبة وابتسامة أو دعابة وحكمة هادفة يحتاج اليها الانسان خاصة اثناء او بعد عناء عمل او بذل جهد او عند الالتفاف حول الاولاد والزوجة، فالمداعبة مطلوبة ومرغوبة مادامت تحت اطر شرعية.
نعم نحتاج للمزاح المباح لجمع شمل الاسرة والاهل والاحباب والاصدقاء.. ولكن ليس هذا بالامر الهين وانما يحتاج الى حسن النية عند كل الاطراف ومراعاة التخلق بمن كان خلقه القرآن سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يمزح ولا يقول الا صدقا، روى ابوهريرة رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله، انك تداعبنا،قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "اني لا أقول الا حقا" (رواه الترمذي).
فها هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يربي أمته على الصدق في حالات الجد والمزاح لأن المزاح عكس الجد واذا لم يوظف وفق تعاليم وضوابط مبينة ومعلومة فانه يؤدي الى التفكك والفوضى والانفلات الخلقي ويسقط الهيبة ويؤدي الى القطيعة والخصام والشجار والاخلال بالمروءة والوقار والدين والعرف، فعلى المازح الا يكثر من المزاح لأن "من كثر مزاحه زالت هيبته".
والناس في المزاح على ثلاثة اقسام، فقسم يهواه ويستحليه ويكثر منه وهذا قسم مذموم، وقسم لا يريده ولا يتمناه ولا يفعله ولهؤلاء اعذار، فمن كان ذلك بسبب اقباله على طاعة الله والمواظبة على الاعمال الصالحة فهو مأجور، كما كان عمر - رضي الله عنه - لا يمزح ولا يضحك.. والتوسط عند القسم الثالث: وهو سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يمزح ولا يقول الا حقا.
اما عن التحذير من الافراط في المزاح فقد قال عمر بن عبدالعزيز: "اتقوا المزاح فإنه حماقة تورث الضغينة" اي ان المزاح الزائد على الحد يؤدي الى الحقد والى ما لا تحمد عقباه.
لذلك فهو مذموم خاصة اذا استخدمت ادوات للمزاح تؤدي للتخويف او الاختلاس والسرقة او هضم الحقوق او اساءة الادب.. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "لا يأخذن احدكم عصا اخيه لاعبا ولا جادا، ومن اخذ عصا اخيه فليردها اليه" (رواه الترمذي).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يأخذن احدكم متاع اخيه لاعبا ولا جادا" (رواه ابوداود).
وروى عبدالرحمن بن ابي ليلى قال: حدثنا اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) انهم كانوا يسيرون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام رجل منهم فانطلق بعضهم الى حبل معه، فأخذه ففزع، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يحل لمسلم ان يروع مسلما" (رواه أبوداود).
المصدر: جريدة " الخليج" الإماراتية...بقلم: عبدالسلام محمد وحيد عمري